الوسوسة في اللغة : الحركة أو الصوت الخفي الذي لا يحسّ .. ومنه سمي صوت الحلي بالوسواس ..
واصطلاحا : هي حديث النفس والدعوة إلى الشرّ من داخلها فهي كلام خفي يدركه القلب ويقع في الفكر
أنواع الوسواس
الوسواس على أنواع كثيرة منها :
الوسواس القهري أو اللاإرادي
وهو ما يتعلق بالسلوك اليومي والتردد في فعل أشياء تتكرر في حياة الإنسان كالتأكد أكثر من مرة من إغلاق باب البيت وهذا مجال بحثه في ( علم النفس )
وسواس العقيدة وتلبيس الحق
وهذا الوسواس قد يتعرض له الإنسان في مرحلة من مراحل حياته أو نتيجة ظرف معين يمرّ به , وهو من الشيطان لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم بينّه لنا وحذرنا منه فقال : ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربّك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) متفق عليه
وهذه الحالة كانت تعتري بعض الصحابة فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون : يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال : أو قد وجدتموه ؟! قالوا : نعم , قال : ذلك صريح الإيمان ) رواه مسلم
لذلك فإن هذه الوسوسة مظهر من مظاهر عجز الشيطان , لأنه عندما يعجز عن ثني العبد عن الطاعة وجرّه إلى المعصية يلجأ إلى التشويش عليه بالخواطر والأفكار التتشكيكية .. وقد بلغ من خوف الصحابة من هذا الوسواس أن أحدهم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله إني أحدّث نفسي بالشيء , لأن أكون حممة أحبّ إليّ من أتكلم به , وفي رواية : لأن أخرّ من السماء أحبّ إليّ من أن أتكلم به . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة ) رواه أبو داود
وما من أحد من الناس يسلم من تعرض الشيطان له , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلاّ وُكّل به قرينه من الجنّ وقرينه من الملائكة , قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي ولكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ) رواه أحمد .. وفي رواية مسلم : عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى اله عليه وسلم خرج من عندها ليلا , قالت : فغرت عليه , فجاء فرأى ما أصنع , فقال : مالك يا عائشة أغرت ؟ فقالت : وما لي لا يغار مثلي على مثلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقد جاءك شيطانك ؟ قالت : يا رسول الله أو معي شيطان ؟ قال : نعم , قلت : مع كل إنسان ؟ قال : نعم , وقلت : ومعك يا رسول الله ؟ قال : نعم , ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم
وهذه الوسوسة لا يكف عنها الشيطان حتى آخر لحظة من حياة الإنسان وعند النزع الأخير , ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( اللهم إني أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ) رواه أبو داود
وسواس الطهارة
ومن أساليب الشيطان في الوسوسة التشكيك في الطهارة , ومن مظاهر هذا الوسواس غسل الأعضاء في الوضوء أكثر من ثلاث مرات وإعادة الوضوء والشيطان الذي يوسوس في الطهارة اسمه ( ولهان ) حيث ورد في الحديث :
إن للوضوء شيطانا يقال له : ولهان , فاتقوا وسواس الماء ) رواه الترمذي
وقد علّمنا رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم كيفية توقّي هذا الوسواس فقال : ( لا يبولن أحدكم في مستحمّه فإن عامة الوسواس منه ) رواه الترمذي .. وقد يوسوس الشيطان للإنسان في صلاته ويوهمه بأن وضوءه قد انتفض وعلى الإنسان في هذه الحالة أن لا يلتفت لهذا الوسواس وأن يطرد الشك باليقين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( فلا يخرجنّ من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) رواه مسلم
ومن أساليب الشيطان في الوسوسة في الطهارة أيضا السرف في استخدام الماء للطهارة , جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال : هذا الوضوء , من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ) رواه أحمد
وسواس الصلاة
ومن أساليب الشيطان في الوسوسة التشويش على الإنسان في الصلاة , ومن مظاهر هذا الوسواس إعادة بعض الحروف وتكرارها في الصلاة وإعادة النية وكثرة الشرود في الصلاة والسهو فيها والشيطان الذي يوسوس في الصلاة اسمه ( خنزب ) .. وذلك لأن الصلاة أهم العبادات فهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي صلة للعبد بربه وسبيله لمناجاة خالقه لذلك فإن الشيطان يبذل كل جهده لتفريغ الصلاة من محتواها والشيطان يترصد المصلين في المسجد فإذا سمع الأذان خرج من المسجد فإذا انتهى المؤذن من الأذان رجع الشيطان إلى المسجد ليوسوس على المصلين
جاء في الحديث : ( إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط لا يسمع صوته , فإذا سكت رجع فوسوس وإذا سمع الإقامة ذهب لا يسمع صوته , فإذا سكت رجع فوسوس ) .. وفي رواية الصحيحين : ( فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وقلبه فيقول له : اذكر كذا , اذكر كذا , لما لم يكن من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى )
وقد شكا أحد الصحابة أمر الوسواس في الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح مسلم أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله , إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبّسها عليّ , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذاك شيطان يقال له خنزب , فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه , واتفل عن يسارك ثلاثا ) قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني .. رواه مسلم
ويمكن التغلب على وسواس الصلاة بتخفيف الصلاة , فقد دخل سيدنا عمار بن ياسر يوما المسجد فركع ركعتين أخفهما وأتمهما ثم جلس , فقام إليه الصحابة فسألوه : لقد خففت ركعتيك هاتين جدا يا أبا اليقظان ! قال : إني بادرت بهما الشيطان أن يدخل عليّ فيهما .. رواه أحمد .. كما يمكن التغلب على الوسواس بالإلتجاء إلى الله تعالى والتعوذ من شر الشيطان الرجيم , قال الله تعالى : ( وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم )
جاء رجل اسمه أبو زميل إلى سيدنا عبد الله بن عباس وشكا له ما يجده في نفسه من الشك والوسواس فقال له : إذا وجدت نفسك شيئا فقل : هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم .. رواه أبو داود
والشيطان لا يملك في عدائه للإنسان أكثر من الوسوسة وحديث النفس وتزيين الباطل
قال تعالى : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) " إبراهيم 22 "
قال الغزالي : والوسواس أصناف :
الأول : أن يكون من جهة التلبيس بالحق حيث يقول الشيطان للإنسان إن العمر طويل والصبر على الشهوات أطول .. وكذلك يكون من جهة العُجب , حيث يقول الشيطان للإنسان : أي عبد يعرف الله كما تعرفه ويعبد الله كما تعبده فما أعظم مكانتك عند الله !!!
الثاني : أن يكون وسواسه بتحريك الشهوة وهيجانها
الثالث : أن تكون الوسوسة بمجرد الخواطر وتذّكر الأحوال الغالية
كيفية الوسوسة
فقد روى ابن عبد البر بسند قوي إلى ميمون بن مهران عن عمر وابن عبد العزيز أن رجلا سأل ربّه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم فأري جسده مُمهى أي : مصفّى يرى داخله من خارجه وأُريَ الشيطان في صورة ضفدع عند

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق